
كان خلقنا هو اللعبة التي سلى بها وحدته الأزلية ، أي كائن عاقل يمكنه البقاء وحيدا كل هذا الوقت اللامتناهي دون أن يفقد عقله ، لكي نفهم وضعية هذا الإله تصوروا برجوازيينا اليوم ، أو تجار العبيد أو إقطاعيي الأمس ، تصوروا بوش و بشار الأسد و حسني مبارك ، و كل ما يستطيعونه هو نهبنا و قمعنا و إجبارنا على الاستسلام لسطوتهم دون أن يتمكنوا من الاستمتاع بما ينهبوه منا ، لا شك أنهم إذا كانوا مثل الإله لا يستطيعون أن يأكلوا و يشربوا أو يمارسوا الجنس لتوقفوا عن استغلالنا و نهبنا و غالبا لتركونا و ما ننتج لنأكله و نتمتع به ، في الواقع إن إلها كهذا لم يكن بحاجة لخلق ظلم الإنسان لأخيه الإنسان و لا اضطهاد الإنسان لغيره من البشر و لا استبداد بعض الأفراد بحياة و عمل الآخرين ، إن هذا يدل بوضوح على أنه الإله الذي يتحدثون عنه إله دنيوي بامتياز ، إله يهتم فقط بسادتنا و ليس ببقية البشر ، إله يريد لبعض البشر فقط أن يعيشوا برفاهية بينما يحكم على معظم البشر الآخرين بالفقر و الجوع ، السعادة إذن في هذا التصور فقط من حق السادة ، حتى الإله لا يعرف السعادة رغم كل قدرته على التدمير و العقاب و القتل دون أي عقاب ، يثبت لنا كل هذا حقيقة واحدة ، أن رسم صورة منطقية لهذا الإله هو مهمة مستحيلة ، حاول البعض ، كالمعتزلة مثلا ، عقلنة صورته هذه فخلقوا من المشاكل أكثر بكثير مما تمكنوا من حله ، و حتى الفلاسفة كانت تصوراتهم عن هذا الإله تخلق من المشاكل أكثر مما تحل ، وحدهم من يسمون أنفسهم أهل النقل و الذين حظروا و منعوا أي نقاش في هذه المسائل و رسموا صورة لإلههم غير قابلة للنقاش تحت طائلة التكفير ، رغم أنهم يقرون مباشرة و دون مداورة بكل الإشكالات التي يتضمنها تصورهم عن هذا الرب ، لكنها هذا لا يعطي ، وفقا لهم ، الحق لأحد بانتقاد هذا التصور الممتلئ بالتناقضات و الإشكاليات ، بل إن أهل النقل هؤلاء لا يكتفون بمنع أي كان من التساؤل عن إنكار العقل السليم للتصور الذي يرسمونه عن الإله ( السؤال عن هذا بدعة ) ، إنهم يهددون بقتلنا إذا استخدمنا عقولنا في محاولة فهم تصورهم ذلك عن الرب ، فعقولنا لم تخلق لهذا ، لقد خلقت فقط لإثبات وجود إلههم أما إذا انتهت إلى حقائق مختلفة فهي تستحق الموت ، إنهم متأكدين من صحة تصورهم عن الإله لدرجة أنهم مستعدين أن يذبحوا كل من يرفضه ، إنهم حتى يرفضون أن يسمحوا بأي نقاش عقلاني حر عن تصورهم "الصحيح تماما" لهذا الإله ، رغم أنهم لا يريدون و لا يستيطعون أن يحلوا التناقضات و الاستحالات في تصورهم هذا عن الإله ، هذا الإله الدنيوي بامتياز كما سبق و قلنا ، الذي لا قيمة لأي شيء يفعله إلا من وجهة نظر السادة ، سادتنا الدنيويين ، فهذا الإله لا يحتاج إلى عذاباتنا و لا إلى فقرنا لكي يثبت ألوهيته ، على العكس من سادتنا الدنيويين الذي يحتاجون بشدة إلى جوعنا و فقرنا لكي يحتفظوا و يزيدوا ثرواتهم ، إن نسبة الظلم و الجوع ، الفقر و الألم و التعاسة ، لهذا الإله ، هي وحدها التي تجعل من هذا الظلم عدلا ، من هذا الشر خيرا ، و كل الآلام ، و الفوارق الفاحشة بين البشر ، كل هذا يصبح جميلا جيدا بمجرد أن نقبل نسبته إلى الإله ، هذا الإله الذي يصوره السادة على أنه ناطق باسمهم و أنه هو الذي حكم علينا بالفقر و الجوع و العبودية لصالح السادة ، لو أننا فقط أبناء هذه الطبيعة ، خلقتنا ، و منحتنا حياتنا ، أجسادنا ، و أرضنا ، و إذا استبعدنا أيضا كل الأشكال "العلمانية" للقداسة ، من الإيديولوجيا أو المشهد السلعي التي تدعي هي أيضا أنها مقدسة ، مطلقة ، خارقة ، فوق الطبيعة و فوق البشر ، إذا استبعدنا آلهة من نوع دنيوي مثل ستالين و هتلر و بوش ، لأصبح هناك مقدسا واحدا فقط يستحق الوجود ، أو حتى يمكنه الوجود ، ألا و هو العدل بين الناس و حرية كل البشر…………