ما هو التصور عن الكون الذي تحدثنا عنه كل الأديان ؟ إنه كون توجد في مركزه قوة خارقة مطلقة وعاقلة في نفس الوقت ، عاقلة بمعنى أنها قادرة على أن تدرك نفسها و تدرك غيرها ، تماما كما نفعل نحن البشر القادرين على أن ندرك أنفسنا و غيرنا في نفس الوقت ، لكن الفارق الأساسي بيننا و بين تلك القوة المطلقة التي خلقتنا و تسيطر علينا هو في درجة الاستطاعة و القدرة ، القدرة على خلق الآخرين و التحكم بهم ، هذا الإله إذن كان يعرف نفسه جيدا ، و خاصة قدراته منذ أن وجد ، أي من الأزل ، من الزمن السحيق ، و رغم أنه وجد منذ الأزل و سيبقى حتى الأزل ، فإن هذا الإله ذات يوم ، سماوي بالتأكيد ليست من أيامنا البشرية ، قرر أن يستعرض مواهبه و قدراته فقرر أن يخلقنا ، و لسبب ما قرر أن يفعل ذلك في ذلك اليوم بالتحديد ، الذي هو يوم ولادة جنسنا و عالمنا بأسره وفق المقدس ، بعد أن وصل الإله إلى هذا القرار بينه و بين نفسه ، حيث لم يكن أي شيء يشاركه الوجود وقتها ، حدد لكل منا ، لكل إنسان وصولا إلى أصغر كائن مجهري ، مصيره من المهد إلى اللحد ، زمن ولادته و زمن موته ، مصيره من الألف إلى الياء ، و حكم علينا بتمثيل أدوارنا تلك بكل دقة دون أي خروج مسموح على النص ، العقل البشري هنا مهمته معرفة حقيقة تبعيته المطلقة و عجزه المطلق و إدراك طبيعة المعاناة الإنسانية فقط ، الإحساس بالألم و إقناع صاحبه الإنسان بضرورة أن يكون عبدا جيدا ملتزما بأوامر و نواهي ربه سيده ، و لسبب ما ، خلق هذا الإله الجوع و الفقر ، الظلم و الحزن ، الألم و العذاب ، التعاسة و الاستغلال ، و أحيانا شيء من السعادة ، بعض الضحكات ، هذا كله خلقه الإله دون أن يعرفه ، و دون أن يجربه ، و دون أن يفهمه ، كم كان هذا الإله مبدعا في خلقه هذا ، بل إنه شخصيا بدأ بالتعرف على الحب و الكراهية ، المكر و الغضب ، منذ أن خلقنا نحن البشر ، و قد خصنا بكل هذه المشاعر ككائنات عاقلة قادرة على الوعي و الفعل ، لكن هذا الإله لا يعرف حب الأب أو الأم لأولادهما ، و لا حب المرأة و الرجل ( تعالى عن كل هذا ) ، لقد بدأ يشعر بالحب و الكره في نفس الوقت الذي أصبح فيه خالقا لنا ، نحن "عبيده" ، وفق ابن تيمية و ابن الجوزي ، يحب الإله عبده الذي يعبده بنفس الطريقة التي أمرنا بها و يكره ذلك العبد الذي يتمرد على أوامره و نواهيه ، و كأنه رئيس مخفر غبي أو تافه يسعده توددنا المنافق و دعاؤنا الكاذب و هو الذي يستطيع بقواه الخارقة أن يفنينا أو حتى أن يأمرنا بكل بساطة كي نكون عبيدا صالحين ، نحن في عبادتنا أو في كفرنا إنما نلتزم بدورنا الذي أعطانا إليه ذلك الرب ، أي غباء هذا ، أن يحب الرب عبيده الذين حكم عليهم بالتصرف كعبيد جيدين ، و أن يكره عبيده الذين حكم عليهم بأن يكونوا عبيدا آبقين أو متمردين ، هذا هو الحب الذي يعرفه هذا الإله فيما يراقبنا طوال الوقت و نحن نعشق ، نختصم ، نضحك ، و نبكي ، عزاءه الوحيد أن يستطيع أن يسحقنا ، أن يدمر عالمنا إذا شاء ، أو أنه قادر على تعذيبنا دون أية مقاومة .
كان خلقنا هو اللعبة التي سلى بها وحدته الأزلية ، أي كائن عاقل يمكنه البقاء وحيدا كل هذا الوقت اللامتناهي دون أن يفقد عقله ، لكي نفهم وضعية هذا الإله تصوروا برجوازيينا اليوم ، أو تجار العبيد أو إقطاعيي الأمس ، تصوروا بوش و بشار الأسد و حسني مبارك ، و كل ما يستطيعونه هو نهبنا و قمعنا و إجبارنا على الاستسلام لسطوتهم دون أن يتمكنوا من الاستمتاع بما ينهبوه منا ، لا شك أنهم إذا كانوا مثل الإله لا يستطيعون أن يأكلوا و يشربوا أو يمارسوا الجنس لتوقفوا عن استغلالنا و نهبنا و غالبا لتركونا و ما ننتج لنأكله و نتمتع به ، في الواقع إن إلها كهذا لم يكن بحاجة لخلق ظلم الإنسان لأخيه الإنسان و لا اضطهاد الإنسان لغيره من البشر و لا استبداد بعض الأفراد بحياة و عمل الآخرين ، إن هذا يدل بوضوح على أنه الإله الذي يتحدثون عنه إله دنيوي بامتياز ، إله يهتم فقط بسادتنا و ليس ببقية البشر ، إله يريد لبعض البشر فقط أن يعيشوا برفاهية بينما يحكم على معظم البشر الآخرين بالفقر و الجوع ، السعادة إذن في هذا التصور فقط من حق السادة ، حتى الإله لا يعرف السعادة رغم كل قدرته على التدمير و العقاب و القتل دون أي عقاب ، يثبت لنا كل هذا حقيقة واحدة ، أن رسم صورة منطقية لهذا الإله هو مهمة مستحيلة ، حاول البعض ، كالمعتزلة مثلا ، عقلنة صورته هذه فخلقوا من المشاكل أكثر بكثير مما تمكنوا من حله ، و حتى الفلاسفة كانت تصوراتهم عن هذا الإله تخلق من المشاكل أكثر مما تحل ، وحدهم من يسمون أنفسهم أهل النقل و الذين حظروا و منعوا أي نقاش في هذه المسائل و رسموا صورة لإلههم غير قابلة للنقاش تحت طائلة التكفير ، رغم أنهم يقرون مباشرة و دون مداورة بكل الإشكالات التي يتضمنها تصورهم عن هذا الرب ، لكنها هذا لا يعطي ، وفقا لهم ، الحق لأحد بانتقاد هذا التصور الممتلئ بالتناقضات و الإشكاليات ، بل إن أهل النقل هؤلاء لا يكتفون بمنع أي كان من التساؤل عن إنكار العقل السليم للتصور الذي يرسمونه عن الإله ( السؤال عن هذا بدعة ) ، إنهم يهددون بقتلنا إذا استخدمنا عقولنا في محاولة فهم تصورهم ذلك عن الرب ، فعقولنا لم تخلق لهذا ، لقد خلقت فقط لإثبات وجود إلههم أما إذا انتهت إلى حقائق مختلفة فهي تستحق الموت ، إنهم متأكدين من صحة تصورهم عن الإله لدرجة أنهم مستعدين أن يذبحوا كل من يرفضه ، إنهم حتى يرفضون أن يسمحوا بأي نقاش عقلاني حر عن تصورهم "الصحيح تماما" لهذا الإله ، رغم أنهم لا يريدون و لا يستيطعون أن يحلوا التناقضات و الاستحالات في تصورهم هذا عن الإله ، هذا الإله الدنيوي بامتياز كما سبق و قلنا ، الذي لا قيمة لأي شيء يفعله إلا من وجهة نظر السادة ، سادتنا الدنيويين ، فهذا الإله لا يحتاج إلى عذاباتنا و لا إلى فقرنا لكي يثبت ألوهيته ، على العكس من سادتنا الدنيويين الذي يحتاجون بشدة إلى جوعنا و فقرنا لكي يحتفظوا و يزيدوا ثرواتهم ، إن نسبة الظلم و الجوع ، الفقر و الألم و التعاسة ، لهذا الإله ، هي وحدها التي تجعل من هذا الظلم عدلا ، من هذا الشر خيرا ، و كل الآلام ، و الفوارق الفاحشة بين البشر ، كل هذا يصبح جميلا جيدا بمجرد أن نقبل نسبته إلى الإله ، هذا الإله الذي يصوره السادة على أنه ناطق باسمهم و أنه هو الذي حكم علينا بالفقر و الجوع و العبودية لصالح السادة ، لو أننا فقط أبناء هذه الطبيعة ، خلقتنا ، و منحتنا حياتنا ، أجسادنا ، و أرضنا ، و إذا استبعدنا أيضا كل الأشكال "العلمانية" للقداسة ، من الإيديولوجيا أو المشهد السلعي التي تدعي هي أيضا أنها مقدسة ، مطلقة ، خارقة ، فوق الطبيعة و فوق البشر ، إذا استبعدنا آلهة من نوع دنيوي مثل ستالين و هتلر و بوش ، لأصبح هناك مقدسا واحدا فقط يستحق الوجود ، أو حتى يمكنه الوجود ، ألا و هو العدل بين الناس و حرية كل البشر…………
هناك تعليقان (2):
Mالله مند الأزل خلق الخير و شر و في لعصور الغابرة بعد خلق سيدنا آدم عليه سلام لم يكن سكان العالم يبلغون 6 مليار نسمة, و حرب الخير و شر هي حربٌ قائمة إلى يوم دين و أناس يتبعون شر أكتر من الخير لهدا ترى أتباع إبليس كترون و كل ما هو ألم و جوع و إستغلال و ضلم يقابله الفرح و سعادة و الحب و العدل و السلام هو صراعٌ بين الخير و الشر
و الله أخي الكريم ليس بحاجةً إلى أن يعيش السعادة كى يعرفها فهو خلقها و مهندسها و لا تطبق أحكاما بشرية على قوةٍ هي خلقتك
ia
إرسال تعليق