يستند المؤمنون بالغيبيات دائما على معجزات يقسمون أنهم شهدوها بأنفسهم، وهم فى ذلك على يقين من صحة ما شهدوه دون أن يشكوا لحظة فيما إذا كان ما شهدوه ، ربما يكون نتيجة هلوسة حسية ما انتباتهم لسبب ما، سواء عرفوا السبب أم لا، أو ربما قد تعرضوا لخداع حواس لسبب ما فى الطبيعة لم يفهموه على النحو الصحيح ،أو ربما تعرضوا لخدعة من دجال أراد أن يثبت لهم قدراته على الاتصال بالغيب ، وبهذه المناسبة فقد قرأت فى كتاب علمى مبسط أسمه الفيزياء المسلية فى سياق شرح المؤلف لحقيقة علمية عن كيف كان كهنة مصر القديمة يحتالون على المصريين القدماء،ويبتزوا أموالهم لصالح المعبد، باستخدام تلك الحقيقة ، والكهنة كانوا يزعمون أن المعجزة حدثت بفضل طقوسهم الدينية، وأنها منسوبة لأحد آلهتهم رع أو أمون أو بتاح، و لايعنى ذلك أن أى من تلك المعجزات تحتم وجود وتأثبر فعلى لرع أو أمون أو بتاح، ولا يعنى بالقياس إلى ذلك، أن معجزة ما يمكن أن تثبت وجود اللة عند المسلمين أو المسيحيين، أو براهما لدى الهندوس، أو أهورا مزدا لدى الزرادشت ، فالمعجزة فى حالة حدوثها ، لا تثبت إلا أن هناك شيئا ما لا نفهمه ، وربما توصلنا لتفسيره فيما بعد أو بقليل من التدقيق العلمى.
يمتلىء التراث الإنسانى فى كل الثقافات و الحضارات والشعوب، بدائية ومتحضرة، ولدى كل المؤمنين بالأديان والمعتقدات المختلفة، بأخبار المعجزات و الكرامات التى نسبوها إلى الأولياء والقديسيبن و الأنبياء والرسل ورجال الدين، أو تأكيدهم لحدوثها لدى ممارستهم لطقوس معينة، من صلاة ودعاء وصيام وحج، ويصدق ضعاف العقول مثل تلك الأخبار التى انتقلت إليهم دون تدقيق وتمحيص، برغم أنه لا دليل على حدوث المعجزات فعلا، بالنسبة لمن عاش منهم بعيدا عن المكان الذي حدثت فيه المعجزة, أو عاش فى فترة أخرى من الزمن, فما هى إلا أخبار منقولة تناقلت بين الناس, تجارب فردية وذاتية محدودة غير قابلة للتكرار، والغالبية الساحقة من البشر ليسوا مصادر جيدة لنقل الأخبار، فهم ينقلوا ما يسمعوه دون تدقيق فى مدى صحته، وكأنه حقيقة مؤكدة، وهم غالبا ما يكذبون ويبالغون تعظيما أو تصغيرا فى وصفهم لما حدث، و يشوهون ما ينقلوه من أحاديث وأخبار إما نسيانا أو كذبا أو خلطا غير مقصود، ومن ثم فتواتر الأخبار والأحاديث وتناقلها بين الناس عبر الأجيال، ليس دليلا كافيا على صحة معظم التراث البشرى ودقته. وخصوصا أن كل خبر قابل للصدق والكذب ، ولنعلم أن البشر هم غالبا للكذب والخلط وعدم الدقة أقرب لأن الحقيقة ليست هدف معظم الناس فى الغالب الأعم، بل الهوى والمصلحة والخوف، والدليل أن كل الديانات تدعي المعجزات لرجالها وطقوسها ومعبوداتها و رموزها الدينية بلا استثناء, فهل علينا تصديقها كلها؟ برغم كل ما بينها من تناقضات، هل علينا أن نؤمن باللة الإسلامى واللة المسيحى، وببراهما و وأهور مزدا وبكل الآلهة الأخرى، قديمها وحديثها،أم أن الأصوب أن ننكرهم جميعا، ما هو الأكثر ترجيحا فى حالة حدوث المعجزة, أن يكون هناك تفسير طبيعي لما حدث فعلا إن كان قد حدث، أم أن تكون المعجزة فعلا قد خرقت قوانين الطبيعة؟ ومن ثم فالتفسير يكمن فيما وراءها أى فى الغيبيات، مما يعنى أن كل الكائنات الغيبية موجودة ومؤثرة فى الطبيعة وهو ما لا يعقله عاقل، أم أن الإجابة تكمن فى العلم الذى يدعم التفسير الطبيعي ، والذى تسرى قوانينه فى كل الأحوال بتواتر لا مجال للشك فيه، ويمكن أن نتحقق من نتائجه جميعا بصرف النظر عن العقيدة التى ننتمى إليها، فالعلم يكشف عبر منهجه الأسرار التى كان البشر ينسبونها دائما للغيبيات ، وهى رحلة قد لا تنتهى لسد كل فراغات المعرفة التى يستند عليها المؤمنون بالغيبيات.
السر فى استخدام المعجزة لإثبات الغيبيات ، أنه طالما وجد بشر قابلين بسهولة للإيحاء ولديهم إرادة الاعتقاد، وطالما وجد نصابون ودجالون يرغبون فى السيطرة على هؤلاء البلهاء والعيش على حسابهم، فإن أسهل الطرق لذلك هو إظهار الإعجاز فيما يدعون أو القيام بمعجزة، كمعجزات الكهنة والحواة ، فهم بذلك يقنعون مؤيديهم وخصومهم أن ما يدعوه يتجاوز إمكانات البشر وعلمهم، ويدعم دعوتهم بينهم، ويكسب لهم المؤيدين، لذلك فالأديان والطوائف كلها تستخدم المعجزات للبرهنة على صحة هذه الأديان.. والمثير للدهشة والذى يؤكد الخلل العميق فى عقول وطرق تفكير المتدينين عموما، هو ما لهذه المعجزات من قدرة إقناعية هائلة على المؤمنين بهذه الأديان، التى يسلمون بها كمسلمات غير قابلة للنقاش، ولكن هذه القدرة الهائلة على تصديق المعجزات تتبخر عندما يتعلق الأمر بالأديان الأخرى.فهم يصدقون بسهولة كل ما ينسب لرموزهم ومعبوداتهم وطقوسهم وكتبهم المقدسة من معجزات فى حين عندما يتعلق الأمر بكتب ورموز وطقوس ومعبودات الأديان الأخرى فإن الغشاوة التى تعيق تفكيرهم السليم تنزاح بسهولة، وتجد عقولهم تعمل فجأة وبكل ألمعية لإثبات تهافت وسذاجة وسخافة مثل تلك المعجزات وعدم إمكانية حدوثها، فهم يصدقون بسهولة انتقال أفراد ما لأديانهم بعد معاينة معجزات منسوبة لدينهم ، فى حين يشككون فى ارتداد أفراد من دينهم للدين الآخر بعد معاينته لمعجزة منسوبة للدين الآخر، وينسبون هذه الردة لأسباب أخرى، و تجدهم و ياللهول غالبا ما يكونوا أكثر موضوعية وعقلانية .. فهم على الأغلب سوف يبحثون عن "الخدعة"، أو عن "الصدفة"، أو عن التبرير العلمي، أو أي شيء آخر يحبط ذلك الزعم الذى يهز قناعتهم.وفي أفضل الأحوال قد يبقى لديهم شعور بالدهشة من أشياء لم يستطيعوا تفسيرها.
هناك تيار واسع يستند فى إثباته للغيبيات و وجود العالم الروحانى اللامادى على الظواهر الطبيعية الغير مفهومة التي يمكن وصفها بالمعجزات (مثل تحريك الأشياء عن بعد، أو توارد الخواطر). ولكن الدراسات العلمية الجادة لم تثبت أصلا هذه الظواهر التى يدعيها أصحابها ، والنى هى غالبا وليدة المصادفة أو وليدة نوع من الحيل والخداع البصرى، الذى ما كان له أن يصمد تحت شروط تجريبية دقيقة، أي تحت المراقبة العلمية المنضبطة.
تطبق نفس اللعبة لخداع جمهور المؤمنين والمستعدين للإيمان، فى إثبات الإعجاز العلمى لنصوص الكتب المقدسة لشتى الأديان برغم كل مخالفات نصوص كل تلك الكتب الواضحة لكل ذى عينين وعقل لحقائق العلم النهائية، والأمر ليس كما هو شائع لدينا يقتصر على القرآن والسنة فحسب، بل أن هناك من اليهود من يؤكدون اعجاز العهد القديم، وهناك مسيحيين يثبتون اعجاز العهد الجديد، ولم يترك الهندوس الفرصة ، فتراهم ينسبون إعجازا لنصوص الفيدا والأوبانشيد، مما يؤكد لو صدقناهم جميعا أنها جميعها ذات مصادر غيبية لا بشرية ، وبما أن هذا لايعقل فإن الاستنتاج الأكثر موضوعية هو أن مصدر الخدعة هو تلاعب باللغة وعواطف الناس القابلة للتصديق، مثلما يثبت الساحر معجزاته بخداع بصر من يروا أعاجيبه، وهؤلاء الدجالون يعتمدون على لوى معانى الكلمات والنصوص وتأويلها لتتناسب مع حقائق العلم..يعتمدون جميعا على أساليب "إذهال" خطابية وإنشائية ، مثلما هى حيل الحواة والسحرة، تلوي عنق النص لتفسيره بما يتوافق وهوى القائل والمتلقى.فغالبا ما نرى آية بسيطة،فى كتاب مقدس، مفهومة كما هي، يقوم الاعجازي بتفسيرها عبر صفحات من المعلومات العلمية الحديثة، والذى يذكرها بعدم دقة وبلا أخلاقية فجة، بدون أن يوضح ما علاقة تلك المعلومات بمحتوى الآية. وتنطلى خدعه على السذج. سامح سلامة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق